المشاركة الزمنية
المشاركة الزمنية (Time-Sharing): وهم التوازي الذي صنع الحوسبة التفاعلية هل تساءلت يومًا كيف يمكن لحاسوبك تشغيل متصفح الإنترنت، ومشغل الموسيقى، وبرنامج المحادثة، ومحرر النصوص في نفس الوقت، والتنقل بينها بسلاسة وكأن لكل برنامج معالج خاص به؟ السر يكمن في تقنية عبقرية تُعرف بـ المشاركة الزمنية (Time-Sharing)، وهي واحدة من أهم المفاهيم التي حولت أجهزة الكمبيوتر من آلات ضخمة لمعالجة الدفعات إلى أدوات شخصية وتفاعلية نستخدمها اليوم. ما هي المشاركة الزمنية؟ المشاركة الزمنية، أو ما يُعرف أيضًا بـ "نظام تقاسم الوقت"، هي إحدى وظائف أنظمة التشغيل التي تسمح لعدة مستخدمين أو عدة عمليات (برامج) بمشاركة موارد وحدة المعالجة المركزية (CPU) بشكل متزامن ، الفكرة الأساسية هي تقسيم وقت المعالج إلى شرائح زمنية صغيرة جدًا تُسمى "الكم الزمني" (Quantum) أو "الشريحة الزمنية" (Time Slice). يقوم نظام التشغيل بتوزيع هذه الشرائح الزمنية على مختلف البرامج الجاهزة للتنفيذ بشكل دوري وسريع للغاية ، يحصل كل برنامج على "دوره" لتشغيل جزء من تعليماته خلال شريحته الزمنية، ثم ينتقل الدور إلى البرنامج التالي في الطابور. هذه العملية تحدث بسرعة فائقة (تُقاس بالمللي ثانية)، مما يخلق لدى المستخدم وهمًا بأن جميع البرامج تعمل في نفس اللحظة بالتوازي. لتقريب الفكرة، تخيل أستاذ شطرنج محترف يلعب ضد عشرة لاعبين في وقت واحد. هو لا يلعب معهم جميعًا في نفس اللحظة، بل ينتقل بسرعة من طاولة إلى أخرى، يقوم بحركة واحدة لكل لاعب، ثم يعود ليكرر الدورة ، بالنسبة لكل لاعب، يبدو الأمر وكأن الأستاذ يركز على مباراته، بينما في الحقيقة، هو يشارك وقته وتركيزه بينهم جميعًا ، هذا بالضبط ما يفعله نظام التشغيل مع البرامج. كيف تعمل المشاركة الزمنية؟ آلية العمل تعتمد هذه التقنية على تعاون وثيق بين المكونات المادية (Hardware) ونظام التشغيل (Software): الشريحة الزمنية (Time Slice): يحدد نظام التشغيل فترة زمنية قصيرة جدًا (مثلاً، 10-100 مللي ثانية) كحد أقصى يمكن لأي عملية أن تستخدم فيه المعالج بشكل متواصل. مُجدوِل المهام (CPU Scheduler): هو الجزء من نظام التشغيل المسؤول عن اختيار العملية التالية التي ستحصل على المعالج. مقاطعة المؤقت (Timer Interrupt): يوجد في الحاسوب مؤقت مادي (Hardware Timer) يقوم نظام التشغيل بضبطه. عندما تبدأ عملية ما في التنفيذ، يتم ضبط المؤقت لينطلق بعد انتهاء الشريحة الزمنية المخصصة لها. تبديل السياق (Context Switching): عندما تنتهي الشريحة الزمنية وتحدث مقاطعة المؤقت، يتدخل نظام التشغيل ويقوم بـ: إيقاف العملية الحالية مؤقتًا. حفظ حالتها بدقة (قيم المسجلات، مؤشر البرنامج، إلخ) في الذاكرة. يُعرف هذا بـ "سياق" العملية. تحميل سياق العملية التالية التي ينتظرها الدور. تشغيل العملية الجديدة لتنفيذ تعليماتها. تتكرر هذه الدورة باستمرار وبسرعة هائلة، مما يضمن أن كل عملية تحصل على حصتها من وقت المعالج، ويظل النظام مستجيبًا لأوامر المستخدم. التطور: من البرمجة المتعددة إلى المشاركة الزمنية تُعتبر المشاركة الزمنية تطورًا منطقيًا لمفهوم البرمجة المتعددة (Multiprogramming). البرمجة المتعددة كان هدفها الأساسي هو زيادة كفاءة المعالج وإبقائه مشغولًا دائمًا ، كان التبديل بين البرامج يحدث بشكل أساسي عندما تدخل إحدى العمليات في حالة انتظار (مثل انتظار قراءة ملف). المشاركة الزمنية أخذت خطوة أبعد، حيث أصبح هدفها الرئيسي هو تحسين استجابة النظام للمستخدم (Interactivity). التبديل هنا يتم بشكل إجباري ومنتظم باستخدام المؤقت، حتى لو لم تكن العملية الحالية تنتظر شيئًا. هذا هو ما يسمح للمستخدم بالتفاعل مع عدة تطبيقات في آنٍ واحد. باختصار، حولت المشاركة الزمنية التركيز من "كفاءة الآلة" إلى "تجربة المستخدم". مزايا أنظمة المشاركة الزمنية التفاعلية الفائقة: توفر استجابة سريعة للمستخدم، مما يجعل التفاعل مع الحاسوب سلسًا ومباشرًا. مشاركة الموارد: سمحت لعدة مستخدمين بالاتصال واستخدام حاسوب مركزي واحد (Mainframe) في نفس الوقت، مما قلل التكاليف بشكل كبير في بدايات عصر الحوسبة. تقليل وقت خمول المعالج: مثل البرمجة المتعددة، تضمن استغلالًا أفضل لوقت المعالج. تحسين الإنتاجية: يمكن للمبرمجين والمستخدمين إنجاز مهامهم بشكل أسرع دون الحاجة إلى انتظار انتهاء عملية واحدة لبدء الأخرى. التحديات والعيوب الحمل الإضافي (Overhead): عملية تبديل السياق نفسها تستهلك جزءًا من وقت المعالج، لذا فإن كثرة التبديل قد تؤدي إلى إهدار بعض الموارد. التعقيد: تتطلب أنظمة تشغيل أكثر تعقيدًا لإدارة الجدولة، الذاكرة، وحماية العمليات من بعضها البعض. الأمن والخصوصية: بما أن عدة برامج (أو مستخدمين) تشارك نفس الذاكرة والموارد، يجب على نظام التشغيل فرض آليات حماية قوية لمنع أي عملية من الوصول إلى بيانات عملية أخرى. تدهور الأداء: كلما زاد عدد العمليات التي تتنافس على المعالج، قلت حصة كل واحدة منها، مما قد يؤدي إلى بطء ملحوظ في أداء النظام ككل. تُعد المشاركة الزمنية واحدة من أعظم الابتكارات في تاريخ أنظمة التشغيل. لقد كانت الجسر الذي عبرت به الحوسبة من عالم العمليات المنفردة والبطيئة إلى العالم التفاعلي متعدد المهام الذي نعيشه اليوم. كل نقرة بالفأرة، كل نافذة تفتحها، وكل تطبيق يعمل في خلفية هاتفك الذكي، يدين بوجوده لهذه الفكرة البسيطة والعميقة: مشاركة الوقت بذكاء لخلق وهم قوي بالتوازي ، المشاركة الزمنية ليست مجرد تقنية، بل فلسفة في إدارة الموارد: "كيف نوزع وقت المعالج المحدود بعدالة وكفاءة؟" بدونها، كان عليك إغلاق مشغل الموسيقى لتفتح المتصفح! 🚀 #GTC_rowad_batch4 #GTC_rowad_YasmeenAbuDib_batch4